مقالات

كتاب “حزام الإيمان” الفصل الخامس

تجربة أم تحدي؟

لم يطل الوقت الى ان فاجأتني الحياة بامتحانٍ جديد لا تقل صعوبته عما سبقه.

ففي ليلة ثلاثاء كانونية وكان من المفترض أن تنام “فريدة” في المركز معي، طال انتظاري لها ولكن لم تأتي، وعندما حل المساء أتى أحد القيمين ليبلغني بأنها لن تأتي فهي سافرت برحلة حج إلى الأراضي المقدسة، هكذا بكل بساطة ودون أن تتكلف عناء ابلاغي. كنت اشاهد التلفاز فجلس “القيّم”  قبالتي بحجة أنه يريد سماع نشرة الأخبار وبدأ يسألني عن احوالي ثم فجأة قام وجلس بقربي وقال لي:  “أنا متل بيك” ووضع يده على ظھري ثم بدأ يجذبني نحوه ويشد علي وھو يبتسم وقبل ان ادرك ما يحدث حاول أن يرفع ملابسي، فدفعته عني وبدأت بالبكاء، فحاول تھدئتي وقال لي”رح احملك على تختك” فرفضت بغضب، حينھا تركني وخرج.  

أكاد اعجز عن وصف ما شعرت به في تلك الليلة وفي الأيام التي تلت، مزيج من المذلة، الضعف، احساس بالذنب، القرف، الضياع، الغبن… كلها أحاسيس كانت تتوالى عليّ تغرقني في عالم من الضياع، لم اعرف ماذا افعل، من أخبر! وهل يجب أن اخبر احد! هل الذنب ذنبي؟

لم يطل الوقت إلى أن أحدى الفتيات وهي تعاني من اعاقة ذهنية خفيفة خرجت من مكتب هذا “القيّم” وهي تصرخ وتقول بأنه حاول أن يلمسها في مكان حساس. وهنا كان شعوري بالغضب أقوى من الضعف والخوف فقررت أن أخبر أحدى السيدات المتطوعات ما حصل معي فاكتفت بهز الرأس والصمت.

لم أيأس تمسكت بأمل أن تعود “فريدة” واخبرها بكل ما جرى وهي ستجد الحل المناسب، وعادت، حَاوَلت ان لا تصدق، طلبت مني مراراً ان اعود واخبرها تفاصيل تلك الليلة، في النهاية وعدتني أن تتكلم معه، وهذا ما حدث، كنت استمع لصراخه من الغرفة الأخرى وسمعته في النهاية يقول لها “أنا هلق براضيها” وفعلاً أتى إلى حيث اجلس مد يده، رسم على وجهه ابتسامة الثعلب وقال لي: “حطي إيدك بي إيدي” نظرت اليه بغضب ولم أجيب بكلمة فخرج غاضباً مهمدراً وأقفل الباب ورائه بقوة.

في اليوم التالي أقفل المركز بحجة عطلة مبكرة لعيد الميلاد وقال للجميع لا تعودوا دون ان اتصل بكم.

جمعت اغراضي وعدت الى القرية، لم اخبر احد من اهلي بما جرى معي، خفت من أن يظنوا بأني  أنا المذنبة، فالمعتدي قيّم ديني “قديس” معاذ الله أن يُظَنَ به سوء… خفت من أن يمنعوني من الرجوع الى عملي فأعود الى زنزانتي بعد حرية لم تدم اكثر من ثلاثة أشهر.

لم ارضخ ولم احتمل فكرة العودة الى الى ما كنت عليه، حاولت البحث عن حلول وفرص، أُخرى فلا زال عندي الكثير من الاحلام التي اريد ان اشارك بها العالم.

لا تنفع الآف الكتب التي قرأتها ولا الساعات الطويلة التي امضيتها لدراسة اللغة الانكليزية ولا شعلة الطموح التي تكاد تحرقني، إذا لم يكن معي ورقة مزيّلة بتواقيع تختبئ خلف زجاج ملمّع وإطارٍ مزخرف. فكأن سنين دراستي انجبت عِلماً لقيطاً وجوده عارٌ وبهتان.

ذهبت الى عدد من المراكز والجمعيات التي تهتم بالمعوقين جسدياً، طلبت اخضاعي لدورات تدريبية في اللغات والسكريتارية علني احصل على هذه الشهادة المنشودة، ولكن لم اجد مطلبي فدائماً كان يعرض علي بديل: “منعلمك الخياطة” وكنت انتفض دائماً لهذا الجواب الى أن فتح عيني الى واقع مجتمعنا ومفاهيمنا جواب رئيسة احدى الجمعيات المشهورة ولا زلت اذكر جوابها الى اليوم: ” يا بنتي مين بدو يشغلك سكريتيرة؟ ما شوفي جسمك كيف! السكريتيرة لازم يكون جسما حلو! تعلمي خياطة احسنلك”

بعد اكثر من شهر على إقفال المركز علمت بأنه عاد وفتح أبوابه، اتصلتُ بـِ “فريدة” وابلغتها بأنني أريد العودة، وعدت، عدت قوية، مصممة على ان لا أدع احد يحبطني أو يأخذ مني فرحي وشغفي بالحياة.

بقيت انام في المركز لأكثر من ثلاث سنوات، اعود في عطل نهاية الأسبوع والاعياد الى القرية.

ثلاث سنوات صقلت شخصيتي، محت عنها غبار الضياع وأضآت ليالٍ عشتها في وحدة أشبه بوحدة الأمير الصغير على كوكبه البعيد يبحث عن صديق حتى ولو كان ثعلب.

مجتمعي بدأ يكبر وطموحي لأن أكون شخصاً افضل لم يتوقف يوماً. لم أخف يوماً من تجربة شيء جديد وعيش مغامرات هي ربما لغيري شيء عادي ومن مسلمات الحياة اليومية ولكن بالنسبة لي كانت قفزات نوعية، فالاكل في مطعم والنزهة على الطريق والسهرة مع الأصدقاء كانت كلها مغامرات جديدة لم اعرفها يوماً إلاّ في احلام اليقظة.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!