موقع Allah Mahabba النُّورُ في الظُّلمَة، وَالطّفلُ في المذوَد، وَاللهُ المـَحَبَّةُ فينا!
يُعَبّرُ مَفهُومُ وَكَلمَةُ «الله» عَن اسم الإلَه الحَقّ وَالمَعبُود. وَعندَما نَأتي إلى صُلب الواقع البَشَريّ، وَنَنظُرُ في نُشأَة الأَديان وَالرُّوحانيّات، نَكتَشفُ اختلافاتٍ كَثيرَةً وَعَميقَةً وَمُتَشَعّبَةً حَولَهُ. فَكَيفَ لَنا أَن نَعرفَ اللهَ الحَقَّ؟ كَيفَ لَنا أَلَّا نَنحازَ إلى عَقيدَةٍ وَدينٍ ومبدئٍ ما؟ هَل اللهُ فكرَةٌ؟ هَل اللهُ دينٌ؟ هَل اللهُ مَوجودٌ حَقًّا؟ ما هيَ المَقاييسُ، وَما هيَ المَعاييرُ الَّتي عَلَينا أَن نَعتَمدَها، وَهَل إذا اعتَمَدنا مقياسًا ما أَلَا نَكونُ قَد حَكَمنا عَلَى الله وَجَعَلناهُ فكرَةً قابلَةً للدَّرس؟ ما نَستَطيعُ القيامَ به لنَكونَ غَيرَ مُنحازينَ وَصادقينَ في بَحثنا أَن نَسأَلَ أَنفُسَنا بعُمقٍ: مَن نَحنُ حَقيقَةً، وَلماذا وُجدنا، وَإلى أَيّ غايَةٍ وَهَدَفٍ وَمَعنى؟ سَعيُنا هذا يَدفَعُنا لنَكتَشفَ صُورَةَ الإلَه الَّتي نَبحَثُ عَنها في أَعماق قُلوبنا. يَبقى أَن يَكشفَ لَنا اللهُ عَن ذاته في صُلب تاريخنا البَشَريّ، لكَي نَعرفَهُ، فَيَكونَ بذاته هوَ المقياسَ لمَعرفَتِهِ حَقًّا، لا لِنَظَريّاتنا وَلا لإسقاطاتِنا وَلا لِمَوروثاتِنا الثَّقافيَّة وَالاجتماعيَّة، بَل هوَ يُخبرُنا في ذاته وَعَن ذاتنا الحَقَّة في الآن مَعًا.
الإنسانُ كائنٌ اجتماعيٌّ عاقلٌ وَناطقٌ، يُفَكّرُ وَيَشعُرُ وَيُطَوّرُ نَفسَهُ، وَأَيضًا يُمَيّزُ وَيَفصلُ بَينَ الأَشياء بتَسميَاتٍ تُعَبّرُ عَن سُلطَته وَتَفَوُّقه عَلَيها. الإنسانُ يَصبُو إلى المُطلَق مِن مُنطَلَق وجودِه، وَفي الآن عَينه يَشعُرُ بنَقصه وَيُدركُ عَدَميَّتَهُ وَيَعلَمُ أَنَّهُ مَخلوقٌ وَلَيسَ هوَ الخالقَ. كُلُّ إنسانٍ يُحبُّ النُّورَ وَيَرغَبُ أَقَلَّهُ بالخَير لذاته، وَيَرتاحُ إلى الحَقّ، وَيَنجَذبُ إلى الجَمال. يَختَصرُ الإنسانُ راحَتَهُ بأَن يُحِبَّ وَأَن يُحَبَّ، وَلَن يَرتاحَ قَلبُهُ وَيَستَكينُ وَيَهدَأَ إلَّا عندَما يَجدَ المَعنى الكاملَ لحَياتهِ وَلوُجوده وَلدَعوَتهِ، لا كَشَيءٍ، بَل كَشَخصٍ حَيّ. ما قُلناهُ هُنا يَنطَبقُ عَلى كُلّ البَشَريَّة دونَ انحيازٍ إلى أَيّ دينٍ أَو مُعتَقَدٍ. صَحيحٌ أَنَّ غايَةَ الدّين تَقديمُ إجابَةٍ إيمانيَّةٍ ماوَرائيَّةٍ عَلى رَغَبات وَأَسئلَة الإنسان العَميقَة، وَلَكن إذا كانَت الأَجوبَةُ مَبنيَّةً فَقَط عَلى المَنطق لتُصبحَ تَشريعًا قانونِيًّا ذاتُ سُلطانٍ، تَبقى مُفتَقِدَةً للحَقيقَة، وَبالتَّالي تَخرُجُ من حَيّز الإختبار الإنسانيّ. هذا الأَمرُ يَدفَعُ الإنسانَ وَكُلَّ واحدٍ منَّا ليَبحَثَ عَن اللهِ كَشَخصٍ حُرٍّ في ذاتِهِ، وَذَلِكَ في حَيّز الواقع وَالتّاريخ، وَإلَّا أَصبَحَ اللهُ وَهمًا باطِلًا يَعجَزُ الإنسانُ عَن مَعرفَته أَو حَتَّى التَّعَرُّف عَلَيه.
يُخبرُنا الإنجيليُّ يوحَنَّا في مَطلَع بشارَته أَنَّ «مَبدَأَ» الوُجود كُلّه، أَي الَّذي وَضَعَ هَدَفًا وَمَعنًى لكُلّ الوُجود وَالحَياة، وَهُوَ أَصلُها وَسَبَبُها وَغايَتُها، وَعَرَّفَ عَنهُ بـ «الكَلمَة» الَّذي هوَ اللهُ، قَد صارَ جَسَدًا – لَحمًا، وَسَكَنَ بَينَنا، وَهُوَ الإبنُ الوَحيدُ للَّه الآب، الَّذي وَحدَهُ يَستَطيعُ أَن يُخبرَنا عَن سرّ الله وَتَدبيره الَّذي ظَلَّ مَكتومًا طَوالَ الدُّهور. وَيَقولُ لَنا أَيضًا في مَطلَع إنجيله أَنَّ مَن يَقبَلهُ وَيُؤمن به يُصبح إِبنًا للَّه بقُوَّة النّعمَة وَالحَقّ. هذا الأَمرُ يَحُثُّنا وَيَدفَعُنا لنَتَعَرَّفَ عَلى الكَلمَة المُتَجَسّد، لأَنَّهُ من ناحيَةٍ يُخبرُنا عَن الله، وَمن ناحيَةٍ أُخرى يُجيبُ عَلى مَبدَأ وَسَبَب وَغايَة وُجودنا.
تَعَرُّفُنا عَلى الكَلمَة المُتَجَسّد لَيسَ قائمًا عَلى فَهم المَنطق اللّاهوتيّ وَالرُّوحيّ لنَظَريَّةٍ مَسيحيَّةٍ، بَل عَلى التَّوَجُّه إلَيه عَلى أَنَّهُ الإلَهُ الحَيُّ وَالحَقُّ الحاضرُ مَعَنا وَمن أَجلنا هُنا وَالآنَ. مَعَ الكَلمَة المُتَجَسّد لا تُوجَدُ مَسافَةٌ في العَلاقَة بَينَ الله وَالإنسان، وَلا يَشتَرطُ مَكانًا للّقاء، بَل يَعني هُويَّةَ الإنسان في عُمقها وَجَوهَرها. إِنطلاقًا من هُنا أَصبَحَ الاختبارُ الفعليُّ للَّه الحَيّ بيَسوعَ المَسيح، الإلَه الحَقّ وَالإنسان الحَقّ، هُوَ الطَّريقُ وَالبابُ إلى اكتشاف ذاتنا الحَقَّة وَاكتشاف حُضور الله فينا. اختبارُنا هذا يَدفَعُنا لنَشهَدَ كَيفَ أَنَّ قُوَّةَ الحَياة تَفعَلُ فينا لا المَوتُ، وَالحَياةُ هذه تُصبحُ لَنا نورًا يَسطَعُ في الظُّلُمات وَلا تَقوَى عَلَيه. يَبقى السُّؤالُ: ما مَعنى هذا، وَكَيفَ يَتمُّ في التَّناقُضات؟
بواسطَة الرَّبّ يَسوعَ نَختَبرُ قُوَّةَ النّعمَة الإلَهيَّة في الضُّعف البَشَريّ، وَقُوَّةَ الرَّجاء أَمامَ واقعنا البَشَريّ البائس، لأَسبابٍ عِدَّة مِنها: الأَمراض والعَوَز وَالفَقر وَالحُروب وَالمُغريات وَالظُّلم وَالعُنف وَالشَّرّ… بواسطَة النُّور الإلَهيّ تُعطى الكَلمَةُ الفَصلَ للخَير في وَجه الظُّلمَة وَالشَّرّ، وَيَتَفَوَّقُ الرَّجاءُ الإيجابيُّ عَلى اليَأس السَّلبيّ. بقُوَّة اسم يَسوعَ تَنتَصرُ المَحَبَّةُ عَلى الأَحقاد، وَالغُفرانُ عَلى الإِنتقام… بفعل الكَلمَة المُتَجَسّد لَم يَبقَ الوُجودُ البَشَريُّ مَنوطًا فَقَط بالزَّمانِ وَالمـَكان، بَل يَمضي إلى الأَبعَد إلى الحَياةَ الأَبَديَّةَ. اختبارُ الله في شَخص يَسوعَ المَسيح لا يَجعَلُنا أُناسًا أَخلاقيّينَ وَحَسبُ، نُعرَفُ بنَهجنا وَسُلوكيّاتنا الأَدَبيَّة الراقيَة وَالحَسَنَة وَالصّالحَة، بَل أَبعَدَ من ذلكَ، هُوَ يَجعَلُنا نَتَقَدَّسُ وَنُقَدّسُ العالَمَ من حَولنا بواسطَة اتّحادنا به، بَعدَما اتَّحَدَ فينا عَن طَريق تَجَسُّدهِ من مَريَمَ العَذراء. يَدفَعُنا الإنجيليُّ يوحَنَّا في مُقَدّمَة بشارَته لنَمضي إلى اختبار الله الحَيّ وَالحَقّ وَالقُدُّوس، لكَي نَعرفَ نورَهُ في ظُلُماتنا، وَإنسانيَّتَهُ في هَشاشَتنا، وَمَحَبَّتَهُ الَّتي تُؤَلّهُنا، حَيثُ نولَدُ فيهِ لِلحَياةِ الأَبَدِيَّة. آمين.
تابعوا قناتنا
https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg
شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام





