تابعونا على صفحاتنا

مقالات

أَتُراهُ مَلَكِ اليَهود هوَ مَلِكُ الكَون؟!

مِن مُمَيِّزاتِ الأَناجِيلِ الأَربَعَةِ: مَتّى، وَمَرقُسَ، وَلوقا، وَيوحَنّا، أَنَّها لَا تُخبِرُنَا فَقَط عَن حَيَاةِ الرَّبِّ يَسوعَ وَالأَحداثِ التَّارِيخِيَّةِ الّتي جرَت، وَلَكِن تُقَدِّمُ لَنَا تَعلِيمًا لاهُوتِيًّا عَمِيقًا عَن هُوِيَّتِهِ وَارتِبَاطِهِ المُباشَرِ بِكُلِّ تَدبِيرِ اللهِ الخَلَاصِيِّ فِي العَهدِ القَدِيمِ وَتَتمِيمِهِ لَهُ. مِن بَينِ هَذِهِ الِارتِبَاطاتِ نَكتَشِفُ صِفَتَينِ أُعطِيَتا لَهُ يَومَ مِيلادِهِ فِي بَيتِ لَحمٍ، وَعَادَتا وَتَكَرَّرَتا عِندَ آلامِهِ وَمَوتِهِ عَلَى الصَّلِيبِ، وَهُمَا المَسِيحُ المُخَلِّصُ، وَمَلِكُ اليَهُودِ. الأُولَى أَعلَنَهَا المَلَاكُ لِمَريَمَ وَيُوسُفَ وَمِن ثَمَّ لِلرُّعَاةِ فِي البَرِّيَّةِ، وَالثَّانِيَةُ أَعلَنَهَا المَجُوسُ أَمَامَ هِيرودُسَ فِي أُورَشَلِيمَ. هَل لِهَاتَينِ الصِّفَتَينِ ارتِبَاطٌ وَثِيقٌ بَعضُهُمَا بِبَعضٍ؟ وَهَل أَتَى المَجُوسُ مِن أَقصَى بِلادِ المَشرِقِ لِيَسجُدُوا لِمَلِكِ أُمَّةٍ صَغِيرَةٍ بَينَ أُمَمِ الأَرضِ، أَم لِهَذَا المَلِكِ مُلكٌ وَمَملَكَةٌ أَكبَرُ مِن الأَرضِ كُلِّهَا، وَقَد يَكُونُ هُوَ نَفسُهُ مَلِكَ الكَونِ، لِأَنَّ “بِهِ كانَ كُلُّ شَيءٍ، وَبِدُونِهِ مَا كانَ شَيءٌ مِمَّا كانَ؟!”
يَومَ طَلَبَ الشَّعبُ مِنَ النَّبِيِّ صَمُوئِيلَ فِي العَهدِ القَدِيمِ أَن يُقِيمَ عَلَيهِم مَلِكًا كَسَائِرِ مُلُوكِ الأَرضِ، نَبَّهَهُمُ أَنَّ مَلِكَ اليَهُودِ الحَقِيقِيَّ هُوَ اللهُ نَفسُهُ، وَلَيسَ سِوَاهُ مَلِكًا، وَرُغمَ ذَلِكَ فَعَلَ لَهُم مَا أَرَادُوا. وَفقَ التَّقلِيدِ اليَهُودِيِّ يُمسَحُ المَلِكُ بِالزَّيتِ المُقَدَّسِ تَمَامًا مِثلَ الأَنبِياءِ وَالكَهَنَةِ كَعَلَامَةٍ لِدَعوَتِهِ المُتَأَتِّيَةِ مِنَ اللهِ وَلِارتِبَاطِهِ بِهِ. تَسَلُّمُ مَفَاتِيحِ السُّلطَةِ يَستَوجِبُ الأَمَانَةَ وَالإِخلَاصَ وَتَتمِيمَ مَشِيئَةِ اللهِ. إِذًا غَدَا المَلِكُ لَدَى اليَهُودِ هُوَ المَمسُوحُ مِنَ اللهِ، لِتَدبِيرِ شُؤُونِ الشَّعبِ وَالأُمَّةِ.
صَحِيحٌ أَنَّ الرَّبَّ يَسوعَ لَم يَتَبَوَّأ رِئاسَةَ السُّلطَتَينِ الدِّينِيَّةِ أَوِ السِّياسِيَّةِ فِي أَيَّامِهِ، فَقَد كانَ هِيرودُسُ هُوَ المَلِكَ الزَّمَنِيَّ آنَذَاكَ، وَلَكِن تُخبِرُنَا الأَنَاجِيلُ أَنَّ يَسوعَ هُوَ قُدُّوسُ اللهِ مُنذُ البِشَارَةِ وَتَكوِينِهِ فِي أَحشَاءِ مَريَمَ، وَقَد حَلَّ عَلَيهِ الرُّوحُ القُدُسُ لَحظَةَ عِمَادِهِ عَلَى يَدِ يُوحَنَّا المَعمَدَانِ، فَمَا هُوَ بِحَاجَةٍ إِلَى زَيتٍ لِيُمسَحَ بِهِ. إِذًا هُوَ مَسِيحُ اللهِ وَهُوَ المَلِكُ المَحجُوبُ مُلكُهُ عَن أَبصَارِ النَّاسِ، وَمَملَكَتُهُ لَيسَت مِن هَذَا العَالَمِ.
لَحظَةَ مُحَاكَمَةِ الرَّبِّ يَسوعَ أَمَامَ بِيلاطُسَ وَبَعدَهَا عَلَى صَلِيبِهِ، رُفِعَت حُجَّةُ الحُكمِ بِالعِبرِيَّةِ وَاللَّاتِينِيَّةِ وَاليُونَانِيَّةِ: “يَسوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ اليَهُودِ”.”صُلِبَ وَمَاتَ لِأَنَّهُ المَلِكُ! أَثنَاءَ صَلبِهِ عُيِّرَ بِكَثِيرٍ مِنَ الإِهَانَاتِ، مِنهَا: “خَلَّصَ غَيرَهُ فَليُخَلِّص نَفسَهُ، إِن كانَ مَسِيحَ اللهِ المُختَارَ!” “إِن كُنتَ مَلِكَ اليَهُودِ فَخَلِّص نَفسَكَ!” وَالجَمِيعُ استَهزَأَ بِهِ. وَرُغمَ ذَلِكَ تَجَلَّى مُلكُهُ بِشَكلٍ يَدعُو لِلدَّهشَةِ لِيُظهِرَ مَعنَى المَلِكِ الحَقِيقِيِّ وَرِسَالَةَ المَسِيحِ الخَلَاصِيَّةِ: فَهُوَ المَسِيحُ عَبدُ يَهوَهِ المُتَأَلِّمُ، وَهُوَ المَلِكُ الحَقِيقِيُّ الَّذِي يَدعُو الخَطأة التَّائِبِينَ إِلَى مَلَكُوتِهِ وَفِردَوسِهِ الَّذِي لَيسَ مِن هَذَا العَالَمِ، وَهُوَ أَزَلِيٌّ وَأَبَدِيٌّ.
يَسوعُ الَّذِي نَادَى بِالتَّوبَةِ وَدَعَا النَّاسَ فِي بِشَارَتِهِ إِلَى الدُّخُولِ فِي مَلَكُوتِ اللهِ، الَّذِي افتَتَحَهُ عَلَى الصَّلِيبِ، حَوَّلَ مَعنَى المُلكِ إِلَى مَعنًى آخَرَ، وَأَظهَرَ كَيفَ أَنَّهُ هُوَ حَقًّا مَلِكُ الكَونِ. مَعَ هَذَا التَّحَوُّلِ أَصبَحَت حَيَاتُنَا وَدَعوَتُنَا كَأَبنَاءٍ للهِ مَقرُونَةً بِهَذَا المُلكِ الجَدِيدِ. فِي الوَقتِ الَّذِي يَسُودُ فِيهِ رُؤَسَاءُ الأُمَمِ وَيَتَسَلَّطُونَ عَلَيهَا، نَرَى يَسوعَ المَلِكَ جَاءَ لِيَخدِمَ لَا لِيُخدَمَ. وَفِي الوَقتِ الَّذِي يَستَعبِدُ فِيهِ سُلطَانُ المُلوكِ الشَّعبَ وَيَتَسَلَّطُ عَلَى مُقَدَّرَاتِهِ، نَرَى يَسوعَ يُحَرِّرُ النَّاسَ مِن قُيُودِ الخَطِيئَةِ وَالشَّرِّ وَالمَادَّةِ عَن طَرِيقِ الرَّجَاءِ فِي الحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ. وَفِي الوَقتِ الَّذِي يُظهِرُ فِيهِ مُلوكُ الأَرضِ قُوَّتَهُم العَسكَرِيَّةَ وَالتِّكنُولُوجِيَّةَ وَحُرُوبَهُم وَعُنفَهُم، نَرَى يَسوعَ يُظهِرُ قُوَّةَ المَحَبَّةِ وَالغُفرَانِ مِن خِلَالِ الضُّعفِ البَشَرِيِّ، وَفِي أَشَدِّ لَحَظَاتِ الأَلَمِ وَالوِحدَةِ وَالهَشَاشَةِ.
كَيفَ نَعرِفُ أَنَّ يَسوعَ هُوَ المَلِكُ الحَقِيقِيُّ؟ إِذَا كانَ رُؤَسَاءُ الأُمَمِ يَتَسَلَّطُونَ عَلَى العَالَمِ بِالقُوَّةِ وَالعُنفِ، وَيَخشَونَ سُقُوطَ دُوَلِهِم وَمَملَكَاتِهِم، نَرَى يَسوعَ لَا يَخَافُ عَلَى مَملَكَتِهِ أَبَدًا، وَلَا يَخشَى أَن يَنتَزِعَ أَحَدٌ مِنهُ شَيئًا، لِأَنَّ الآبَ قَد أَعطَاهُ كُلَّ شَيءٍ، وَلَا أَحَدَ يَستَطِيعُ أَن يَنتَزِعَ مِن يَدِ الآبِ شَيئًا. وَلِأَنَّهُ الحَقُّ الثَّابِتُ إِلَى الأَبَدِ، فَمُلكُهُ لَيسَ مَرهُونًا بِالزَّمَانِ وَالمَكَانِ، بَل هُوَ أَبَدِيٌّ. مِن هُنَا يُصبِحُ بِإِمكَانِنَا أَن نَفهَمَ الطَّرِيقَ الَّتِي يَدعُونَا إِلَيهَا لِنَكُونَ عَلَى مِثَالِهِ أَحرَارًا، وَهِيَ الثَّبَاتُ فِي مَحَبَّةِ اللهِ الآبِ.
عِندَمَا يُقِيمُ اللهُ فِينَا بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُسِ، يُنزَعُ مِن قُلُوبِنَا رُوحُ الخَوفِ، لِيَثبُتَ فِينَا رُوحُ المَحَبَّةِ وَالقُوَّةِ وَاللُّطفِ. عِندَئِذٍ لَا يَعُودُ استِهزَاءُ النَّاسِ بِنَا يُجدِي نَفعًا، وَلَا يُقَلِّلُ مِن قِيمَتِنَا الذَّاتِيَّةِ، وَلَا حَتَّى الحَالَاتُ الِاجتِمَاعِيَّةُ بِشِقَّيهَا السَّلبِيِّ وَالإِيجَابِيِّ، وَلَا الحَالَاتُ الصِّحِّيَّةُ وَالنَّفسِيَّةُ، لِأَنَّ الثَّبَاتَ فِي مَعرِفَةِ مَحَبَّةِ الرَّبِّ يَسوعَ لَنَا وَعَيشَ الإِيمَانِ يَجعَلَانِنَا أَحرَارًا مِن قُيُودِ ذَنبِ الخَطِيئَةِ، لِأَنَّ رَحمَتَهُ إِلَى الأَبَدِ. وَنُدرِكُ أَنَّنَا وُلِدنَا لَا لِنَمُوتَ فِي خَطَايَانَا، بَل لِنَحيَا مَعَ مَن مَاتَ وَقَامَ مِن أَجلِ خَلَاصِنَا إِلَى الأَبَدِ. مَن كانَ يَسوعُ مَلِيكًا عَلَى حَيَاتِهِ لَا يَخَافُ المَوتَ أَبَدًا، لِأَنَّهُ سَيَملِكُ مَعَهُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام