تابعونا على صفحاتنا

مقالات

التَّواضُع حَجَرُ زاويَة الصّلاة الصادِقة!

أَن تَكونَ مُؤمِنًا هذا يَعني أَن تَكونَ مُمارِسًا للصَّلاةِ الجَماعِيَّةِ مِنْها أَو الشَّخصِيَّة. وَلَكِن عِندَما نَأتي إِلى الواقِع لا يُمكِنُنا التَنَكُّر لِصعوبَةِ مُمارَسَةِ الصَّلاة في هَذَينِ البُعدَين. البَعضُ يَتَذَمَّر مِن صُعوبَة التَّركيز، وَالبَعض يَتَذَمَّر مِنْ كَثرَةِ القِراءات، وَالبَعضُ الآخَر يَتَذَمَّر مِنَ السَّأَمِ وَالفُتورِ والأَفكار المـُشَوِّشَة في الصَّلاة، وَقِلَّةٌ يَتَكَلَّمونَ عَنْ حَلاوَتَها وَحَرارَتَها وَسَكينَتَها وَسَلامَها العَذْب الَّذي يُصبِحُ كَالنَّدى لِلرّوح. كَيفَ لَنا أَن نَبلُغَ الصَّلاة الَّتي تُرضي قَلبَ الله، وَالَّتي تَجعَلُنا نَكتَشِفُ أَنفُسَنا فيها؟ كَيفَ بِإِمكانِنا التَوَصُّلَ إِلى الصّلاةِ الصّادِقَة الَّتي يَدعونا إِلَيها الرَّبّ؟
عِندَما نَعودُ إِلى مَصدَرِ تَعليمِنا الرُّوحيّ الكِتابَ المـُقَدَّس بِشِقَّيهِ وَعِندَما نَتَأَمَّلُ بِكُلِّ ما عَلَّمَنا إِيَّاهُ الرَّبَّ يَسوع حَولَ الصَّلاةِ وَكَيفَ عاشَها وَمَارَسَها، نَكتَشِفُ مُفتاحَها الأَساسيُّ ذو البُعدَين: مِنْ جِهَةٍ عَمَل الرُّوح القُدُس المـُحيي، وَمِنْ جِهَةٍ ثانِيَة إِتِّضاع وَتَواضُع الإِنسان في تَسليمِ ذاتِهِ لله في الصّلاة. مِن دونِ هَذَينِ البُعدَين تَتَحَوَّلُ الصَّلاةَ إِلى تَمرينٍ فِكريّ لا يُجدي الرُّوحَ نَفعًا. رُبَّما نَنجَحُ في مُمارَسَةِ التَّركيز أَو في تَناسُقِ الأَفكار وَفَهمِها وَإِدراكِها، وَلَكِنْ لَنْ نَنجَحَ أَبَدًا في الإِنصاتِ إِلى عَمَلِ الرُّوحِ القُدُسِ فينا، وَإِلى إِدراكِ أَنفُسِنا وَاكتِشافِها عَلى حَقيقَتِها عَلى ضَوءِ حُضورِ اللهِ الَّذي يُحيينا في الصّلاة.
إِنطِلاقًا مِنْ هُنا، أَوَّلُ خُطوَةٍ نَحنُ مَدعُوُّونَ لِلقِيامِ فيها هيَ التَمَوضُعَ في المَكانِ الصَّحيح، لا عَلى مُستَوى المـَكان الجُغرافيّ، بَلْ عَلى مُستَوى مَوقِعِنا الوُجوديّ في حَضرَةِ الله. يَكفينا أَن نَسأَلَ أَنفُسَنا بِصِدقٍ قَبلَ الولوجِ في الصّلاةِ: مَنْ أَنا يا رَبُّ، وَمَنْ أَنتَ؟، يَكفينا أَن نُقارِنَ تَموضُعَنا هَذا مَعَ صَلاة الفّرّيسيّ وَالعَشَّارِ في الهَيكَل. هَلْ أَعرِفُ ذاتي مِثلَما الفَرّيسيّ يُعَرِّف عَنْ ذاتِهِ وَفقًا لِمِقياسِ ارتِباطِهِ في المـُجتَمَع وَعَلاقَتِهِ مَعَ الآخَرين، أَمْ أَعرِفُ ذاتي وَفقًا لِتَموضُعي أَمامَ اللهِ مُباشَرَةً مِنْ دونِ أَيّ مِقاييسٍ أَو صُوَرٍ أَو أَفكارٍ أَو حَواجِز تَمامًا مِثلَما فَعَلَ ذاكَ العَشَّار؟ لا أَحَد يَستَطيعُ أَن يُجيبَ عَنَّا، عَلى كُلِّ واحِدٍ مِنَّا أَن يَكونَ صادِقًا مَعَ ذاتِهِ في حَضرَةِ الله. الصِدقُ هوَ الجانِب الأَوَّل مِنَ التَواضُعِ الَّذي يَقودُنا إِلى الصَّلاةِ الحقيقيَّة.
صَحيحٌ أَنَّ الفَرِّيسيّ بادِئَ الأَمر شَكَرَ الرَّبّ عَلى نِعَمِهِ، مُعتَقِدًا أَنَّهُ فَرَزَهُ وَفَضَّلَهُ وَرَفَعَهُ مَرتَبَةً على الآخَرين، لِيَقولَ: “أَللَّهُمَّ، شُكرًا لَكَ لِأَنّي لَستُ كَسائِرِ النَّاس السَّراقين…”، وَلَكِنْ شُكرَهُمْ بُنِيَ عَلى إِدانَةِ النَّاسِ وَعلى رَذيلَةِ الكِبرِياء، لا عَلى جودَةِ اللهِ وَحُنُوِّهِ وَرَحمَتِهِ اللَّامُتَناهِيَة. شُكرَهُ بُنِيَ عَلى تَمنينِ اللهِ عَلى أَنَّهُ يَقومُ بِواجِباتِهِ الدّينيَّة مِنْ صَلاةٍ وَصَدَقَةٍ وَصَومٍ. لَقَدْ جَعَلَ مِنَ الشَّريعَةٍ مِقياسًا وَحدودًا لِعَلاقَتِهِ بِالله، وَبالتَّالي هوَ في العُمقِ لَمْ يَجعَلَها وَسيلَةً تُساعِدُهُ عَلى تَنمِيَةِ عَلاقَتِهِ بِالله، بَلْ صَنَمًا يَعبُدَهُ وَمِرآةً يُبَرِّجُ نَفسَهُ أَمامَها. لَقَدْ تَناسى كُلّ ما تَكَلَّم الكِتابُ المـُقَدَّس عَنْ مَكانَةِ التَّواضُعَ في الصَّلاة، وَلَم يَتَوَقَّف لِلَحظَةٍ أَمامَ كُلّ الإِختِبارات الرُّوحِيَّة الَّتي عاشَها الآباءُ وَالأَنبِياءِ في عَلاقَتِهِم مَع الله. لَقَدْ جَعَلَ مِنَ الشَّريعَة الفَرّيسيَّة مِقياسًا وَذَلِكَ فَقَط لِتَبريرِ نَفسِهِ أَمامَ الله، وَلإِعلاءِ شَأنِهِ أَمامَ النَّاس.
في هذا المـَثَل يَلفُتُ نَظَرَنا يَسوع، كَيفَ أَنَّ هذا الفَرّيسيّ اتَّخَذَ المـَكانَ الأَماميّ وَانتَصَبَ مُصَلِّيًا، بَينَما العَشَّار وَقَفَ بَعيدًا أَي في الخَلفِ وَلَمْ يَجرُؤ عَلى رَفعِ نَظَرِهِ نَحوَ قُدسِ الأَقداس، لِأَنَّهُ كانَ يَرى فَقرَ نَفسِهِ وَخَطيئَتَهُ أَمامَهُ في كُلِّ حين، وَرُغمَ ذَلِكَ كانَ يَلتَمِسُ الرَّحْمَةَ مِنَ اللهِ بِثِقَةٍ وَتَواضُعٍ وانكِسارِ قَلب. في صَلاةِ العَشَّار لا نَجِدُ أَيُّ عُنصُرٍ لِلآخَر أَو للشَّريعَة، فَهوَ لَمْ يُقارِن نَفسَهُ بِسِواه، وَلَمْ يَعتَمِد عَلى أَحكامِ الشَّريعَة، بَلْ عادَ إِلى أَحكامِ ضَميرِهِ الباطِنيّ أَي إِلى صَوتِ الرُّوحِ القُدُسِ النَّاطِقِ فيهِ الَّذي يُخزي العالَم على الخَطيئَةِ وَالبِرِّ وَالحَقّ. هَل نَحنُ نُصغي إِلى عمُقِ قُلوبِنا مِثلَ العَشَّار، وَلَيسِ إِلى الأَفكارِ وَالتَصَوُّراتِ الَّتي نَرغَبُها أَو نُريدُها أَو نَتَمَنَّاها تَمامًا مِثلَما فَعَلَ الفَرِّيسيّ؟ هَلْ نَدَع ضَميرُنا يُؤَنِّبُنا وَيَقودُنا إِلى الخَير، فَنَضَعَ أَنفُسَنا أَمامَ حَضرَةِ اللهِ في الصَّلاة، بِصِدقٍ وَتَواضُعٍ بِخَجَلٍ وَلَكِن بَعيدًا عَنْ روحِ الخَوف؟ هَلْ نَثِق بِأَنَّ الرَّبَّ سَيُصغي إِلى صَلاتِنا وَسَيُهطِل غَزيرَ مَراحِمِهِ عَلَينا، وَيَلِدَنا بِالرُّوحِ وَالحَقِّ أَبناءً لَهُ مِنْ جَديد، فَلا نَدَعَ اليَأسَ وَالسَّأَم يَنتَصِرانِ عَلى إِيمانِنا وَرَجائِنا؟
لِكَي يَكونَ التَّواضُعَ حَجَرُ زاوِيَة صَلاتِنا، عَلَينا أَن نُسقِطَ كُلَّ التَصَوُّراتِ وَالأَفكار وَالأَحكام وَالرَّغباتِ الَّتي نُريدُها لِأَنفُسِنا وَالَّتي قَبِلناها مِنَ المـُجتَمَع أَإِيجابِيَّةٍ كانَتْ أَم سَلبِيَّة. عَلَينا أَن نُؤمِنَ بِقُوَّةِ الصَّلاة كَعَلاقَة إِيمانِيَّة حَيَّة تَجعَلُنا نَتَواصَل وَنَلتَقي مَع الرَّبّ. عَلَينا أَن نَسكُبَ أَنفُسَنا كَما هِيَ أَمامَ الرَّبّ، عالمِينَ أَنَّهُ يَعرِفُنا تَمامَ المـَعرِفَة، وَلَكِنْ يُريدُنا أَن نَعرِفَ أَنفُسَنا وَفقًا لِمَراحِمِهِ عَلَينا. عَلَينا أَن نَركُنَ لِصَوتِ الرُّوحِ القُدُسِ فينا، الَّذي يَحمِل كَلِمات وَأَعمال يَسوع إِلى قُلوبِنا، فَنَخْتَبِرَ لَمسَتَهُ الشَّافِيَة وَالمـُحَرِّرَة وَالمـُحِييَة. في كُلِّ مَرَّةٍ نَتَّخِذُ مَوقِفَ العَشَّار، وَنَرفَعُ صَلاتَهُ بِحَرارَةٍ: “اللَّهُمَّ ارحَمني أَنا الخاطِئ!”، نَكونُ قَدْ رَفَعنا الشُّكرانَ لِمَراحِمِ الله الدائِمَة لِأَنَّهُ ما جاءَ مِنْ أَجلِ الأَبرارِ بَل مِن أَجلِ الخَطَأَة، فَيَتوبَ قَلبُنا إِلَيهِ، مُتَذَوِّقًا مَحَبَّتَهُ وَطيبَتَهُ وَرَحمَتَهُ، إِلى أَن يُصبِحَ مَسكِنَهُ الَّذي فيهِ نَجِدُ سَلامَهُ الَّذي لا يَستَطيعُ العالَم انتِزاعَهُ مِنَّا. فَلنَطْلُب نِعمَةَ الصَّلاةِ الصادِقَة لِأَنَّها أَعظَمُ العَطايا كُلَّها، آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام