تابعونا على صفحاتنا

مقالات

خوف الخِسارة مَنفَذُ الحِكمَة وَبابُ الخَلاص!

إِعتادَ الرَّبَّ يَسوع أَن يُلقي تَعليمَهُ بِالأَمثال لِيَكشِفَ لَنا السّبيلَ إِلى مَلَكوتِ الله. مِن بَينِ أَكثَر الأَمثال الَّتي تُثيرُ فُضولَنا لِكَيْ نَفهَمَها هوَ مَثَلُ الوَكيل الخائِن، الَّذي يَحتَوي على عِدَّةِ إِشكالِيَّاتٍ وَأَبرَزُها قَولُ الرَّبّ: “إِتَّخِذوا لَكُمْ أَصدِقاءَ بِالمالِ الحَرام”، وَقَبلَ ذَلِكَ مَديحُ وَثَناء السَيِّد على الوَكيل الخائِن لِأَنَّهُ كانَ فَطِنًا في تَصَرُّفِهِ. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا نَحنُ مَدعُوّون لِنَتَأَمَّلَ جَيِّدًا في مَضمون الرِّسالَة الَّتي يُريدُ الرَّبَّ يَسوع أَن يُوَجِّهَها لَنا مِنْ خِلالِ هذا المـَثَل، لِنَفهَمَ النِّقطَتَيْن الرَّكيزَتَينِ في هذا المـَثَل، الأُولى سَبَب مَديح السَّيِّد لِلوَكيل الخائِن. الثّاني ما مَعنى المال الحَرام، وبَعْدَها مَنْ هُمْ الأَصدِقاءِ الَّذينَ عَلَينا أَنَّ نَربَحَ وِدَّهُمْ وَصَداقَتَهُم وَثِقَتَهُم.
لابُدَّ أَوَّلًا مِنْ فَهْمِ دينامِيَّة المـَثَلَ وَشَخصِيَّة الوَكيل الخائِن فيه. يُخبِرُنا الرَّبَّ يَسوع عَنْ شَخصٍ غَنّي أَعطى ثِقَتَهُ لِوَكيلِهِ، وَبَعدَ مُدَّةٍ شُكِيَ هذا الوَكيل أَمامَ سَيِّدهِ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالأَمانَة وَخانَة الثِّقَة وَأَصبَحَ سارِقًا لِمالِ سَيِّدِه. يُرَكِّز المـَثَل بِصورَةٍ خاصَّة عَلى مَوقِف الوَكيل الخائِن عِندَما كُشِفَت حَقيقَتَهُ أَمامَ سَيِّدِه، وَأَصبَحَ بِمَوقِفٍ حَرِجٍ، مِمَّا يَستَدعي مِنْهُ البَحثَ عَنْ وَسيلَةٍ لتَخليصِ نَفسِهِ. لَقَدْ انتابَ هذا الوَكيل الخَوفَ وَالذُعرَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَستَسلِم فَقَد أَظهَرَ حَزاقَةَ شَخصِيَّتِهِ إِذ استَخدَمَ نُفوذَ وِكالَتِهِ قَبلَ فَواتِ الأَوان، فَبَدأَ يَتَواصَل مَعَ زَبائِنِ سَيِّدِهِ لِيَجعَلَ مِنْهُم أَصدِقاءَ لَهُ عَنْ طَريقِ مَالِ سَيِّدِه، وَقَدْ نَجَحَ في الأَمر، بِحَيثُ عِندَما يَطرُدُهُ سَيِّدُهُ يَجِدُ أَصدِقاءَ لَهُ يَستَقبِلونَهُ وَيَهتَمُّونَ لِشَأنِه.
العِبرَةُ مِن هذِهِ الحِنكَة في التَّصَرُّف نَختَصِرُها بِالفِكرَة التاليَة: عَلى الرُّغمِ مِنْ خَطيئَةِ الوَكيل، قَدْ عَرَفَ جَيِّدًا كَيفَ يَجِد الوَسيلَة الأَفضَل مِن صُلبِ واقِعِهِ، وَهذا ما نَفهَمُهُ في تَعليمِ القِدّيس بولُس: يُعطي الرَّبّ لِكُلِّ تَجرُبَةٍ مَخرَجًا. عَرَفَ كَيفَ يُحَوِّل دافِع خَوفِهِ إِلى حِكمَةٍ في التَّصَرُّف وَكُلّ ذَلِكَ لِشِدَّةِ حُبِّهِ لِمَصلَحَتِهِ وَلِذاتِهِ. صَحيحٌ أَنَّهُ لَمْ يَأخُذ مَوقِف تَوبَة وَلَم يُقِرّ بِخَطيئَتِهِ، لَكِنَّهُ سَعَى وراءَ مَصلَحَتِهِ الذَّاتِيَّة. مِنَ المـُؤَكَّد أَنَّ الرَّبَّ لا يُريدُنا أَن نَتَعَلَّم الجانِب السّلبي مِنَ المـَثَل، وَبِالتَّالي يُريدُنا أَن نَكونَ غَيارَة عَلى مَصلَحَتِنا الذَّاتِيَّة الكُبرى وَالَّتي تَعني خَلاصَ نُفوسَنا، تَمامًا مِثلَ أَبناءِ هذا العالَم الَّذينَ يَسعَونَ دونَ هَوادَة وَراءَ مَصلَحَتِهِم الشَّخصِيَّة غَيرَ آبِهينَ بِأَيّ شَيء. تَماماً وَفقَ قَولِ أَحَدِ آباءِ الصَّحراء: “نَظَرْتُ إِلى إِحدى الساحِقاتِ فَوَجَدْتُها مُتَمَسِّكَةً بِخَطيئَتِها أَكثَرَ مِنْ تَمَسُّكي بِتَوبَتي فَحَزِنتُ عَلى نَفسي كَثيرًا”.
الرِّسالَة وَالعِبرَة الَّتي يَدعونا إِلَيها الرَّبَّ مِن خِلالِ هذا المـَثَل هيَ أَن نَتَمَسَّك جَيِّدًا وَتَمامًا بِمَشروعِ خَلاصِنا وَأَن نَسعى إِلَيهِ دائِمًا. لِكَيْ نُحَقِّقَ هذا الهَدَف عَلَينا أَوَّلًا أَن نَعرِفَ جَيِّدًا أَنَّ اللهَ في اللَّحظَةِ الَّتي خَلَقَنا فيها وَدَعانا إِلى الحَياة، جَعَلَ مِنَّا وُكَلاءَ لَهُ. نَحنُ لَسنا أَبَدًا أَصحابَ المـُلْك، بَلْ مُؤتَمَنونَ عَلى كُلِّ خَيرٍ أَعطانا إِيَّاهُ الرَّبَّ مادِّيًّا كانَ أَم روحِيًّا. ثانِيًا المالَ الحَرام في المـَثَل يَعني الأُمور المادِّيَّة الصَّرْفَة، فَهَذِهِ كُلُّها عَلَينا أَن نَكونَ حَذِرينَ مِنها، بِأَلَّا تُصْبِح الوَسيلَة هِيَ الغاية، وَالمـال يَأخُذ مَكانَ الله. بِصَريحِ العِبارَة الرِّسالَة وَالعِبرَة المـُباشَرَة مِنْ التَّصَرُّف بِمالِ الحَرام أَيْ الأُمور المادِّيَّة، هوَ تَسخير كُلّْ شَيء لِمَلَكوتِ اللهِ، وَأَنْ يَكونُوا أَصدِقاءَنا الحَقيقيّين هُم القَدّيسين.
كَيفَ يُمكِنُنا أَن نُسَخِّرَ “مالَ الحرام” أَيْ كُلَّ أَعمالَنا وَمُقَدّراتِنا وَأَموالَنا وَمُمتَلَكاتِنا لِكَيْ يَكونَ لَنا مَكانٌ في المـَساكِن الأَبَدِيَّة؟ أَوَّلُ خُطوَةٍ يُمكِنُنا القِيامَ بِها عَلى مُستَوى الذَّات، أَن نُقِرَّ بِصِدقٍ أَمامَ أَنفُسِنا وَأَمامَ الله أَنَّ كُلَّ شَيءٍ نَمتَلِكُهُ الآن، أَو بِصَريحِ العِبارَة مُؤتَمَنونَ عَلَيهِ لِحَياتِنا الزَّمَنِيَّة، ما هوَ إِلَّا وَسيلَة وَحاجَة آنِيَّة، إِذا تَعَلَّقنا بِهِ لَنْ يُجدينا نَفعًا لِلحَياةِ الأَبَدِيَّة، بَل على العَكسِ مِنْ ذَلِكَ يُصبِح سَبَبًا لِدَينونَتِنا. إِذًا عَلى الأُمور المادِيَّة بَدْءً منَ المال أَن يَكونوا وَسيلَةً لا لِسَدِّ حاجاتِنا وَحَسْب، بَلْ لِصُنعِ الخَير دائِمًا. ثاني خُطَوةٍ يُمكِنُنا القِيامَ بِها هيَ المـُشارَكَة مَع الآخَرين بِهذا الخَير، بِخاصَّةٍ مَعَ الفُقَراء. إِذا كانَ الأَثرِياءُ أَيْ أَبناء هذا العالَم يَجهَدونَ لِبِناءِ مَملَكَتِهِم الأَرضِيَّة عَنْ طَريقِ الطَّمَعِ وَالبُخل، فَنَحنُ أَبناءَ الله. عَلَينا أَن نَجهَدَ لِبِناءِ مَلكوتِ اللهِ عَنْ طَريقِ السخاء والعطاء بِفِطنَةٍ وَمَحَبَّة. ثالِثُ خُطوَةٍ نَستَطيعُ القِيامَ بِها هيَ الأَمانَة اليَومِيَّة في أَبسَطِ الأُمور وَأَصغَرِها. هُنا نَختَبِرُ مَحَبَّتَنا لله، وَهُنا نَكتَشِفُ خَطيئَتَنا الشَّخصِيَّة وَضُعفَنا وَنَقصَنا في أَبسَطِ الأُمورِ وَأَصغَرِها. مَن يُثابِر على الإِلتِزام بِعَيشِ الأَمانَة هوَ مَنْ يَتَمَسَّك بِعَيشِ المـَحَبَّة إِلى أَقصى الحُدود.
في عالَم اليَوم أَصْبَحَت الأُسُس وَالمـَبادِئ بِخاصَّةٍ الأَخلاقِيَّة وَالمـُتَعَلِّقَة بِشَكلٍ مُباشَر بِالخَيرِ العامْ مائِعَة. مِنْ هُنا نَفْهَم لِماذا إِستَشرى الفَساد وَإِباحَة كُلّ القِيَم الإِنسانِيَّة وَالدينيَّة وَالرُّوحِيَّة. نَحنُ مَدعُوُّون لِنَعيشَ الأَمانَة في أَبسَطِ الأُمور، وَعَلى عائِلاتَنا وَكَنائِسَنا وَمُجتَمَعاتِنا التَّنشِئَة عَلَيها لِأَنَّها أَساسُ إِصلاح المـُجتَمَع وَالعالَم وَالإِنسان. مَنْ يَسمَح لِنَفسِهِ بِكَسرِ أَمانَةِ الوَكالَة وَالثِّقَة الَّتي مَنَحَهُ إِيَّاها الله في أَبسَطِ الأُمور، يَسمَح لِذاتِهِ لِتَستَبيحَ كُلَّ شَيءٍ، وبِالتَّالي هوَ يَكنِزُ لِنَفسِهِ حَيثُ يَسرُقُ السارِقون، وَعِندَما تَدُقُّ ساعَةُ الحَقيقَة، يَجِدُ أَنَّهُ لَم يَبنِ لِذاتِهِ مَسكِنًا في السَّماء. الطُّوبى لِمَنْ يَخشى أَن يَخسَرَ مَلَكوتَ اللهِ، وَيَسعى جاهِدًا لِيُوَظِّفَ كُلَّ مُقَدِّراتِهِ لِيَربَحَ الحَياةَ الأَبَدِيَّةِ. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!