تابعونا على صفحاتنا

مقالات

رَغبَةُ قَلبِ يَسوع أَن يَأخُذَنا دائِمًا بَينَ يَدَيهِ!

مَع تَطَوُّر وَتَقَدُّم العُلومِ الإِنسانِيَّة، اكتُشِفَ أَنَّ لاوعيَ الإِنسانِ يُشَكِّلُ عالَمًا واسِعًا، وَيُعتَبَرُ جِزءًا أَساسِيًّا مِنْ ضُمنِ قَلبِ الإِنسان الَّذي يَحتَوي تاريخَهُ أَفكارَهُ وَمَشاعِرَهُ، رَغَباتَهُ وَأَحلامَهُ. يَقولُ الكتاب المـُقَدَّس: “مَنْ يَستَطيعُ أَن يَسبِرَ قَلبَ الله؟” فَإِذا كُنَّا لا نَستَطيعُ أَن نَعرِفَ أَنفُسَنا وَما يَكمُنُ في باطِنِ قُلوبِنا، كَيفَ لنا أَن نَعرِفَ قَلبَ الله؟ مَعرِفَتُنا لقَلبِ اللهِ مَنوطَةً بِأَمرَينِ أَساسِيَّين: كَشفُهُ لَنا عَنْ ذاتِهِ، وَالإِمكانِيَّة المـُتَوَفّرَة لَدَينا في طَبيعَتِنا الإِنسانِيَّة لِفَهمِ الوَحي الإلَهي.

مِن بَينِ الأُمورِ الَّتي تَجعَلُنا في حالَةٍ مِنَ التَشَتُّتِ وَالضَياع، عَلى مِثالِ الخَروفِ الضَال، لِنُصبِحَ مَشطورينَ وَمَفصولينَ عَنْ مُجتَمَعِنا وَإِن كُنَّا نَعيشُ فيهِ، وَعَنْ أَنفُسِنا وَعَنْ اللهِ، هوَ عَدَمُ مَعرِفَتِنا الحَقيقيّة لأَنفُسِنا، فَتُصبِح حَياتَنا مُهَدَّدَةً بالعَبَثِيَّةِ وَاللَّامَعنى، وَوجودَنا مَحكومٌ عَلَيهِ بِما يَفرِضهُ عَلَينا واقِع حَياتِنا الإجتِماعِيّ. بالتَّالي تُصبِح أَشكال تَشَتُّتَنا وَضَياعَنا مُتَنَوّعة وَمُختَلِفَة. لِكَيْ نَتَخَلَّصَ مِنْ تَجرُبَةِ التَشَتُّتِ وَالضَياعِ هَذهِ بِكُلِّ أَشكالِها المـَأخوذَةِ مِنَ تَنَوُّعِ المُجتَمعاتِ وَالثَقافات، نَحنُ بِأَمَسِّ الحاجَةِ لِمَعرِفَةِ أَنفُسِنا عَلى ضَوءِ حُضورِ اللهِ الحَيّ وَالقُدّوس وَالمـُحبِّ في حَياتِنا.

التَشَتُّت وَالضياع هُما تَعبيرٌ صارِخ عَنْ جِراحِنا العَميقَة، بِحَيْثُ نُصبِح غَيرَ مُتَصالِحينَ مَع أَنفُسِنا وَفي حالَةِ هُروبٍ مُستَمِرّ. مِنْ خِلالِ مَثَل الخَروف الضائِع الَّذي قَدَّمَهُ يَسوعُ لَنا، نَراهُ يُعَبّرُ عَنْ فَهمِهِ لِواقِعِنا الإِنسانيّ، وَأَكثَرَ مِنْ ذَلِكَ نَراهُ هوَ مَنْ يُبادِر وَيَجِدّ في البَحثِ عَنَّا، في الوَقتِ الَّذي فيهِ نُصبِح عَديمي القُدرَة عَنْ البَحثِ عَنْهُ بِما فينا مِنْ ظُلمَةٍ وَضَياع وَعَجزٍ عَنْ الفَهمِ وَالإدراك. في الوَقتِ الَّذي نُصبِح مُدانينَ وَمَحكومٌ عَلَينا مِنَ الآخَرين، لِأَيِّ سَبَبٍ كانَ، نَرى أَنَّ الرَّبَّ يَفهَمُنا وَيَهتَمُّ جِدًّا لِأَمرِنا، وَيُبادِر إِلى لِقائِنا حَيثُ نَكون. في الوَقتِ الَّذي نَعجَزُ فيهِ عَنْ إِتِّخاذِ الطّريق الصّحيح لِأَيِّ سَبَبٍ كانَ، نَرى يَسوع يَأتي إِلَينا بِشَخصِهِ، لِيَجعَلَ لَنا مِنْ ذاتِهِ الطَّريق الَّذي عَلَيهِ نَرجَعُ إِلى حَقيقَةِ نُفوسِنا، فَنَجِدَ أَنفُسَنا فيهِ هوَ الإِلَهُ المـُتَجَسِّد وَنَنهَلَ فَرَحَنا وَسَعادَتَنا مِنْهُ وَحدَهُ.

يُصبِحُ مَوضوعُ تَجَسُّد الرَّبَّ يَسوع في ملءِ الزَّمَن، هوَ البَحْث عَنْ كُلّ واحِدٍ مِنَّا، كَمُقَدِّمَةٍ لِسِرّ الخَلاصِ وَالفِداء. مِنْ مُمَيّزاتِ مَثَل الخَروف الضائِع أَنَّ الرَّاعي الصالِح يَبحَثُ عَنْ الواحِد فيما لَدَيهِ تِسعَةٍ وَتِسعينَ خَروفًا في الحَظيرَة، وَذَلِكَ تَأكيدًا عَلى كَرامَة وَفَرادَةِ وَأَهَمّيّةِ كُلّ شَخصٍ مِنَّا بِالنِّسبَةِ إِلَيهِ. إِذا وَجُبَ على الراعي الصالِح أَن يَترُكَ الحَظيرَةَ وَأَمانَهُ الذّاتي، وأَن يَمضي لَيلًا في البَرّيَّةِ دونِ انتِظارٍ لِلغَدِ بَحثًا عَنْ خَروفِهِ الضّائِع، فَما هوَ إلَّا تَعبيرٌ عَميقٌ عَمَّا صَنَعَهُ الرَّبَّ في التَجَسُّد إِذْ قَدْ تَرَكَ عَرْشَهُ الأَزَليّ وَغِنى أَنوارِهِ وَمَلَكوتِهِ وَمَجدِهِ، لِيَأتي إِلَينا وَلِيَبحَثَ عَنّا، وَهذا كُلَّهُ لِأَنَّ أَحشاءَ قَلبِهِ قَدْ تَحَرَّكَتْ تُجاهَنا شَفَقَةً وَمَحَبَّةً وَرَحَمْةً مِن أَجلِ خَلاصِنا.

يُعَلِّمُنا مَثَلُ الخَروف الضائِع، أَنَّ اللهَ يُحِبُّنا حُبًّا عَظيمًا جدًّا، وَمَشيئَتُهُ وَرَغبَةُ قَلبِهِ لا فَقَط أَن يَلتَقي فينا، لا بَلْ أَكثَرَ مِنْ ذَلِكَ، أَن يَأخُذَنا بَينَ يَدَيهِ وَأَن يَرفَعَنا عَلى كَتِفَيهِ وَأَن يَضُمَّنا إِلى قَلبِهِ. مَشيئَتُهُ أَن نَنتَقِلَ مَعَهُ مِنْ وادي ظِلالِ المـَوتِ وَالحُزنِ وَاليَأسِ وَالسَأَمِ وَالكَآبَةِ، والتَشَتُّتِ وَالضَياعِ إِلى غَمرَةِ الحُبِّ الإِلَهيّ وَالفَرَح السَماويّ، وَإلى اكتشافِ أَنفُسِنا بِالحَقِّ، حَيثُ نَعي وَنُدركُ قيمَةَ وجودِنا في عَينَيهِ. الرَّبُّ يُريدُ أَن يُعيدَنا إِلى مَقامِنا الأَوَّل، إِلى رَمزيَّة جَنَّةِ عَدْنٍ، حَيثُ نَجِدُ مَكانَتَنا وَقيمَتَنا في نَظَرِ اللهِ وَنَستَمِدُّ مِنْهُ المـَحَبَّة الَّتي تُصبِح إِنفِتاحًا وَمُشارَكَةً مَعَ الآخَرين.

إِنطِلاقًا مِن هُنا، عَلينا أَن نُفَكّر بِجَدِّيَّةٍ أنَّ هذا الخَروفَ الضائِع يُشيرُ إِلى كُلِّ شَخصٍ مِنَّا، وَهوَ يَعنينا بِشَكلٍ مُباشر. عَلَينا أَن نَتَأَمَّل في مَحَبَّةِ قَلبِ الله الآب السّماويّ، الَّذي دَفَعَهُ حُبُّهُ لِيَبْحَثَ عَنَّا بِيَدّي إِبنِهِ الوَحيد رَبَّنا يَسوع المـَسيح. عَلَينا أَن نَتَأَمَّل في مَحَبَّةِ قَلبِ يَسوع الفادي، مُتَوَقّفينَ أَمامَ ما عاناهُ مِنْ أَلَمٍ وَاضطِهادٍ وَضَربٍ وَموتٍ على الصَليب، لِكَيْ يَنتَشِلَنا مِنْ هاوِيَةِ المـَوتِ وَالجَحيمِ لِيَنَهَضَ بِنا بِقِيامَتِهِ إِلى مَجدِ الحَياةِ الأَبَديَّة. عَلَينا أَن نَتَأَمَّلَ في مَحَبَّةِ قَلبِ الرُّوحِ القُدُس الَّذي يَجعَلُنا نَكتَشف أَنفُسَنا بِنِعَمِهِ وَعِنايَتِهِ، فَنَعرِفَ مواهبَهُ فينا، وَهُوِيَّتَنا أَنَّنا أَبناءُ الله.

بقَدَرِ ما نَغوصُ بإيمانٍ مُتَأَمِّلينَ بِمَحَبَّةِ قَلبِ اللهِ الَّتي تَجَلَّتْ لَنا في يَسوعَ المـَسيح، بِهذا القَدَرِ عَينِهِ يَنمو فينا الرَّجاء، فَلا نَعُدْ مُقَيَّدينَ بِسَلاسِلِ ضُعفِنا وَخَطايانا، لا بَلْ نَثقُ أَنَّ الرَّبَّ يُحبُّنا، وَيَسعى في كُلِّ هُنَيْهَةٍ وَلَحظَةٍ لِخَلاصِنا. هوَ يُريدُنا أَلَّا نُرَكّزَ عَلى ضَجيجِ العالَمِ، بَلْ عَلى صَوتِهِ الحنون الدافئ، وَأن نَصرُخَ إلَيهِ بصدقٍ نابِعٍ مِنَ القَلبِ، مِنْ حَيثُ نَحنُ عالِقينَ بَينَ أَشواكِ الخَطايا وَحِجارَةِ التجارِب وَظُلمَةِ الشرور. عِنَدما نَتوقُ إلى غَمرَةِ يَدَيهِ، وَإلى أَمانِ كَتِفَيهِ، عِندَئِذٍ تُصبِح تَوبَتُنا رفضًا لِلظُلمَةِ، وَرَغبَةً بِالنُّور، توَقًا لِلخَيرِ وَمَقتًا لِلشّرّ. عِندَئِذٍ لا نَعُد نَرضى أَن نَكونَ خارِجَ أَنفُسِنا، وَلا خارِجَ بَيتِنا وَرَعِيَّتِنا وَكَنيسَتَنا، لأَنَّ ما يَجعَلُنا نَمكُثُ في النُّورِ وَالفَرَحِ وَالمـَحبَّة هوَ ثِقَتُنا وَعَلاقَتُنا الشَخصِيَّة بالرَّبِّ. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!