تابعونا على صفحاتنا

مقالات

بَعدَ القيامَة أَصبَحَ تَدَخُّلَ يَسوعَ مُفاجِئًا وَسُؤالُهُ واحِد: أَتُحِبُّني؟!

بَعدَ حَوالي أَلفَيْ سَنَةٍ عَلى مَوتِ وَقِيامَةِ الرَّبَّ يَسوع مِنْ بَينِ الأَموات. وَبَعدَ الكَثير وَالعَديد مِنَ الشهاداتِ الَّتي لا تُحصى في الكَنيسَة، وَالكِتابات وَالأَبحاثِ اللَّاهوتِيَّة الَّتي لا تُعَدّ، تَبقى قِيامَةُ الرَّبَّ يَسوع مِنْ بَينِ الأَموات الإِشكالِيَّة الأَكبَر وَالأَعمَق الَّتي تُخاطِب الوجود الإِنسانيّ، وَحَجَرُ زاوِيَة الإِيمان المـَسيحيّ. لا يَستَطيعُ إِنسانٌ بِقُدرَتِهِ أَن يَموتَ ثُمَّ يَقوم. الإِنسانُ بِطَبيعَتِهِ عُرضَةٌ لِلموتِ وَالفَناء، وَحدَهُ سَيّدُ الحَياة، يَستَطيعُ أَن يَجَعَلَها حَياةً أَبَدِيَّة. لَمْ تَعُدْ عَلاقَةُ الرَّبَّ يَسوع مَع تَلاميذِهِ بَعدَ قِيامَتِهِ عَلى ما كانَت عَلَيهِ قَبلَ الصّليب، بَلْ تَعَمَّقت لِتَكونَ روحِيَّةً أَكثَر بِجانِبٍ مِنها جَسَديّ وَحِسّيّ يَعني طَبيعَة جَسَدْ يَسوع المـُمَجَّد وَالقائِم مِن بَينِ الأَموات.

قَبلَ الصّليب كانَتْ العَلاقَة مَحصورَة بِالمـَكانِ وَالزَّمان، أَمّا بَعدَ القِيامَة لَمْ يَعُد للزَّمانِ وَالمَـكانِ مِنْ سُلطانٍ عَلى القائِمِ مِنْ بَينِ الأَموات. هذا التَّمايُز أَصبَحَ مِنْ جِهَةٍ أُولى تَأكيدًا صَريحًا عَلى أَنَّ يَسوع هوَ الوَسيط الوَحيد بَينَ الإِنسانِ وَالله، وَاللهِ وَالإِنسان. هو العابِر بَينَ المَرئيّ وَالماوَرائيّ، بَينَ الأَرضي وَالسَّماويّ. مِنْ جِهَةٍ ثانِيَة أَصبَحَ حُضورَهُ دائِمًا وَلَكِنْ بِصورَةٍ سِرِّيَّةٍ وَمَحجوبَة. يَكشِف عَنْ ذاتِهِ متى يَشاء، وَيَتَوارى عَنْ الأَنظارِ وَفقًا لِحِكمَتِهِ الإِلَهِيَّة. لَقَدْ أَصبَحَ في حَياةِ الكَنيسَة الحاضِر الدَّائِم، هُنا وَالآن، والسِرَّ القابل للإستِكشاف. ميزَةُ حُضورهِ المـُمَجِّد هذا قَدْ فَتَحَ لَنا بابَ الإِيمانِ عَلى مِصراعَيهِ، لِيَدفَعُنا لِنَكتَشِفَ بِيَسوع التَّاريخيّ والحاضِر المـُمَجَّد دَعوَتَنا وَرِسالَتَنا وَمَسؤولِيَّتنا اليَوم، الَّتي انطِلاقَتُها الرَّغبَة وَالتَّوق لِنَكونَ مَع القائِمِ مِن بَينِ الأَمواتِ في الحَياةِ الأَبَدِيَّة.

في كُلِّ مَرَّةٍ نَتَوَجَّه إِلى يَسوع التَّاريخيّ الَّذي يُخبِرُنا عَنْهُ الإِنجيل نَجِدْ أَنفُسَنا أَنَّنا لَسنا عِندَ حَدَثٍ مِنَ الماضي، بَلْ أَمامَ نِداءٍ إِلَهيّ يَتَوَجَّه إِلى أَعماقِ وجدانِنا الآن وَهُنا. يُخبِرُنا الإِنجيليّ يوحَنّا عَنْ تَرائي يَسوع للتَّلاميذ عِندَ الشّاطِئ، وَكَيفَ عَرَفوهُ مِنْ صَوتِهِ وَمِن أَمرِهِ الَّذي وَفَّرَ لَهُم صيدًا وَفيرًا أَعطى عَلامَةً أَكيدَة أَنَّهُ الرَّبّ، وَبَعدَ ذَلِكَ مُباشَرَةً نَراهُ يَدخُلُ بِحِوارٍ شَخصيّ بَينَهُ وَبَين سِمعانَ بُطرُس. يُسَلِّطُ يوحَنَّا الإِنجيليّ الضّوء عَلى مَهابَة هذا اللِّقاء الَّذي تَظهَرُ فيهِ كَثافَةُ الأُلوهَة عَلى طَبيعَةِ يَسوع الإِنسانيَّة. وَنَرى التّلاميذُ في حالَةٍ مِنَ الدَّهشَة وَالإِستِكشاف وَالإِعجاب، فَهُمْ حَقًّا في حَضرَةِ الله.

ما مَعنى أَن نَكونَ في حَضرَةِ يَسوع القائِم مِن بَينِ الأَموات؟ هذا الأَمر لَهُ عِدَّة أَبعاد: أَوَّلًا، أَن نَفهَم معنى الفِداءِ الَّذي أَثمَرَ خَلاصًا لِأَجسادِنا لِئَلَّا يَعرِفَ أَيُّ جِزءٍ فينا الفَساد. لَيسَتْ حَياتُنا عَبَثِيَّة. لَيسَت حَياتُنا مَفصولَة عَنْ الرَّبّ، وَلَيسَ هو بِغَريبٍ عَنْها، عَلى العَكسِ تَمامًا. فَقَط مِنْ خِلالِ الفِداء نَفهَم ما مَعنى أَنَّ اللهَ تَبَنَّانا بابنِهِ الوَحيد. ثانِيًا، أَن نَكتَشِفَ هُوِيَّتَنا كَأَبناءٍ للهِ، وَفيهِ نَكتَشِفُ بُعدًا آخَر وَحَقيقيًّا لِطَبيعَةِ جَسَدِنا وَلِكِيانِنا بِشَكلٍ مُطلَق. يُحَتِّمُ هذا الأَمر نَهجًا جَديدًا تُجاهَ أَنفُسِنا، وَرُؤيَةً مُستَنيرَة لِمَعنى وَقيمَة وجودِنا. في كُلِّ مَرَّةٍ نَنظُرُ إِلى جَسَدِ المـَسيحِ المـُمَجَّد، نَعودُ لِنَنظُر في ما سَنَؤولُ إِلَيه. هُنا نَكتَشِفُ كَمْ أَحَبَّنا الرَّبُّ لِنُصبِحَ أَشباهَهُ. ثالِثًا، أَن نَتسَلَّمَ دَعوَتَنا مِنَ الرَّبّ، لِنَعيشَ حَياتَنا بِمَسؤولِيَّةٍ حُرَّة، عَلى ضَوءِ مَحَبَّتِهِ الَّتي أَفاضَها عَلَينا. يُحَتِّمُ عَلَينا هذا الأَمر، أَن نَكونَ رُسُلًا وَشُهودًا لَهُ، وَهذا ما يَستَدعي مِنَّا تَكثيف لِقاءاتِنا بِهِ في الصَلاةِ وَالتأَمُّل وَالمُناجاة.

لَقَدْ مَثُلْ سَمعانَ بُطرُس، أَمامَ يَسوع القائِمِ مِنْ بَينِ الأَموات. لَمْ يُبَكِّتْهُ يَسوع عَلى نُكرانِه، وَلَمْ يُشِر إِلى ما لَدَيهِ مِنْ نَقصٍ وَضُعفٍ بَشَريّ. بَلْ رُغمَ كُلّ ذَلِكَ نَظَرَ إِلى إِمكانِيَّاتِ إِيمانِهِ وَحُبِّهِ لَهُ. سَأَلَهُ سُؤالًا وَواحِدًا: أَتُحِبُّني؟! لِأَنَّ القِيامَة حَدَثَتْ بِقُوَّةِ مَحَبَّةِ الله. وَهَكذا سِمعانَ بُطرُس لَنْ يَستَطيعَ أَن يَقومَ مِنْ مَوتِ خَطيئَتِهِ وَضُعفِهِ وَنَقصِهِ، إِن لَمْ يَستَضِف مَحَبَّةَ اللهِ الغافِرَة، الَّتي يُرَدُّ عَلَيها فَقَطْ بِالحُبّ. لَمْ يَتَرَدَّد بُطرُس بِالإِيجابَة رُغمَ ضُعفِه: “نَعَمْ أُحِبُّكَ يا رَبّ”. وَلَمْ يَتَرَدَّد يَسوع بِإِسداءِ المـَسؤولِيَة عَلى عاتِقِ بُطرُس، لِأَنَّهُ بِقَدَرِ ما يَزدادُ حُبًّا يَزدادُ سَخاءً وَتَضحِيَةً وَخِدمَةً.

الخَطيئَةُ في تَكوينِها هيَ نَقصٌ في الخَيرِ وَالمَحَبَّة. الخَطيئَةُ تُجَزِّئُ النَّفسَ بَينما المـَحَبَّة تُوَحِّدُها. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا مِيزَةُ مُثولِ سمعانَ بُطرُس أَمام يَسوع القائِمِ مِنْ بَينِ الأَموات، جَعَلَتْهُ يَخرُجُ مِنْ دائِرَةِ الخَطيئَةِ وَالمـَوت، لِيَدْخُلَ في دائِرَةِ المـَحَبَّة وَالحَياة، حَيثُ تُصبِحُ الدَّعوَة رِسالَةٌ تَعني مَسؤولِيَّة مَحَبَّة الآخَرين، بِما فيهِمْ مِنْ ضُعفٍ وَنَقصٍ وَهَشاشَة. كَما دَعا الرَّبَّ يَسوع سِمعان بُطرُس لِيَعتَني بِقَطيعِ الكَنيسَة، بَعدَما أَظهَرَ لَهُ مَحَبَّتَهُ وَعِنايَتَهُ وَرِعايَتهُ وَرَحمَتَهُ. هَكذا نَحنُ أَيضًا لَنْ نَستَطيعَ أَبَدًا أَنْ نُحِبَّ إِخوَتَنا، إِذا لَمْ نَعرِف المـُثول أَمامَ يَسوع القائِم مِن بَينِ الأَموات الَّذي يُقيمُنا مِنْ مَوتِنا الذَّاتي، لِنَكتَشِفَ أَنَّ دَعوَتَنا الوَحيدَة في الحَياة هيَ المـَحَبَّة. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!